..يوم الكشف الطبي
منطقة تجنيد اسيوط.. تجمع صعايدة خمس محافظات
..هناك أمضيت يومى الساخر
جرت تلك الأحداث الدامية فى منطقة التجنيد بأسيوط (مش الهايكستيب بتاع الفرافير) تلك الأحداث التى كلما تذكرتها لعنت اليوم الذى ولدت فيه صعيدياً
(ليه يا رب ماخلقتنيش فرفور)
بالطبع لأن الصعيدى الذكى ليس خيالاً علمياً.. ومن منطلق اعرف عدوك.. سألت كثيراً على الكشف الطبى قبل ما ادحرج التماسى هناك
عرفت كل الإختبارات والهدف منها.. كله.. كل شيء.. ووضعت خطط شيطانية لسياسة "عش اليوم لكى تقاتل غداً" بدل سياسة جنودنا أساوس ومغاوير وكلام الشعارات التى لا نراها بل نسمعها في التلفزيون أيام رمضان
كنت قد ودعت عائلتى وأحبابى وغنيت "انا رايح بكرة ع الجيش" للمقاتل العربى "وائل كفورى" وأقنعت نفسى بالمغيبات الفكرية على وتيرة مصر أولاً وقبل أى "ضرب".. "عشان كدا احنا اخترناك".. "النيل روانى والفول السودانى" وعندما أشعر بالواقع.. كنت أشد من عزيمتى بموسيقى "رأفت الهجان" والناس الكبار ممن سبقونى فى التضحية من اجل الوطن
المشهد الأول
(على البوابة فى منطقة التجنيد)
إستقبلنى عسكرى "أحول" (والله ماهى شتيمة كان أحول بجد) مما بعث فى نفسى الطمأنينة لدقة الإختبارات الطبيه هناك.. جردنى هذا الأحول من جميع أوراقى وأعطانى "كارت أحمر" لأدون به بيانات الطول والوزن ومقاس الصدر من واقع الأختبارات الأولية التى انا مقدم عليها
ذهبنا كأسراب العصافير المغردة إلى حجرة الكشف الطبى.. قابلت هناك العسكرى الأحول الثانى.. فتح عينى بإصبعيه عنوة وصب بعض قطرات من مشتقات المغنيسيوم
(من وقتها رأيته بأعين غزلانية واكتشفت بأنى أنا الأحول الوحيد والباقى عنيهم تندب فيها رصاصة)
عند مقياس الطول.. أقلعت عن فكرة التراخى عندما رأيت يد تشبه "خف الجمل" تهوى على بطن متراخى قبلى وصيحة قتالية شهيرة "شد نفسك شد"
عند مقياس الصدر.. لم أكن أميل للسمنة وقتها بل للنحافة.. إذن الحل أن أكون تحت الحد الأدنى.. فأطلقت زفرة طويلة حملت معها آلام كل الدفعة فى التجنيد.. ونجحت بالفعل فى تخفيض مقاس الصدر إلى 85سم
(يعنى لائق برضه مافيش فايدة.. دي بس حركات تعبر عن الإستماتة في الزوغان المفقود الأمل)
عند مقياس الوزن.. بالطبع لاعب اليوجا المحترف مثلى يستطيع التغلب على الجاذبية الأرضية والتحليق فى سماء غرفة الكشف الطبى زي بتوع فيلم ماتريكس
لكن - للأسف - يبدو أن الجيش المصرى من "الساموراى" القدامى أو أن غرفة الكشف الطبي من المعابد البوذية المقدسة أو محصنة بتعاويذ قبائل الفودو والسحر الأسود
(الوزن زاد خمسة كيلو بفعل يد العسكرى الثالث على كتفى الشمال)
قبل الإنتقال لكشف العظام.. ظهر الفارس الملثم ببزة الصاعقة المصرية وأعينه تشع ضياء بنور أحمر فوسفورى (زى أميجو اللى بينور) وبلهجة مهذبة عذبة تدل على مدى سمو أخلاقيات المقاتل المصرى.. دار الحوار التالى
إرجع على مقاس الصدر يا كابتن انت -
أنا خلاص قست الصدر واتكتب يا زعيم -
أنا عارف المكتوب عايز المقرى يا جاهل -
مش فاهم يا باشا -
وإذ أرى نفسى طائراً (من غير يوجا بتاعة العيال اللى زيي) بين ذراعيه الملائكية لتستقر قدماى على منصة قياس الصدر مرة أخرى
خد نفس عميق إلا هانفخك بمعرفتى -
(اللهم انفخنا وفسيهم)
ثم وضع يديه الطاهرتين تحت كفاى الدنيئتين وهتف قائلاً
قاوم ايدى.. عايز عضلاتك تطق من المقاومة.. انفخ سدرك.. "شد حيلك شد" -
(يبدو أنها صرخة قتالية شهيرة عند لاعبى البلى مسافات طويلة)
ايووووووه .. كدا تمام.. 118سم.. برضه مقاس الصدر الرائع ده كنت عايز تخبيه يا نونوس يا كمونس
لم تعجبنى نظراته.. فأردفت بلماضتى الشهيرة
هوه مش الرقم اتكتب وخلاص.. هاتعدله إزاى ده ممنوع -
مش هاعدله يا حضرة الظابط -
بالطبع أسقط فى يدى عندما ذكر "ضابط" ولعنت لسانى الطويل الذى يسقطنى فى المصائب
(ظابط = 3 سنين مع النفاذ بدل سنة واحدة عسكري)
المشهد الثانى
(غرفة كشف العظام)
اخلع منك له يا بن العريان -
(كانت على الأم وجعلتها على الأب المسكين لدواعي رقابية)
تقدم شباب (فرفور شوية) و سأل في استحياء الانثي
ينفع اقعد بالبنطلون لو سمحت؟؟؟ -
نظر لة العسكري في أدب شديد ورد في هدوء راقي قائلاً
لا ياله مينفعش.. لا يا روحى ماينفعش -
لازم تقلع و تفضل باللباس.. وإحمد ربنا انك لابسه بدل ما أقلعهولك
طبعا منظرنا كان شر البلية مايضحك فعلاً
(شباب زي الورد قالعين ملط إلا ما يستر عوراتهم وشايلين الجزم في إيد والهدوم في إيد)
دخلنا حجرة أوسع ووجدنا زملاء لنا في الكفاح العاري
برغم دراستى لما يبحث عنه الطبيب عندما يطلب الوقوف والرقود واتخاذ جميع الأوضاع.. وبرغم تدريبى لمدة شهر كامل على مظاهر الفلات فوت والأتب والسيقان المقوسة وجميع إنقاذات كشف العظام.. باءت جميع المحاولات بالفشل لعدم النظر من أصله
(طبعا الحاجات دي بتكون عبارة عن "تمرجي" برتبة "لواء" في الجيش
يمر علينا مرور الكرام.. يعني بيكشف بالنظر كدة)
كشف القلب.. وذلك ما كنت أنتظره بشغف
من ممارستى لليوجا أستطيع تبطيئ معدل ضربات القلب إلى 40 وأحياناً 30 ضربة في الدقيقة.. ولأنى أنسان مهذب وعلى خلق.. فأنا أقف دائماً ويدى خلف ظهرى.. أو بصراحة فهذا ما قد يبدو للطبيب لكنه فى الواقع لأمسك رسغى باليد الأخرى وأشعر بالنبض لكى أصدر نفساً مدروساً مع صوت النبضة لخداع الطبيب وإيهامه بصوت "صمام إرتجاعى"
كنت واثقاً من أنها حركة جديدة ستنجح لا محالة.. فهى تحتاج لاعب يوجا محترف.. بالإضافة لدراسة طبية حول صوت "الصمام الإرتجاعى".. بالإضافة لقدرة جيدة على التحكم بالتنفس.. وصدق توقعى عندما توتر الطبيب الذى وضع السماعة الثمينة على صدرى
أنت بتشتكى من حاجة يلاه؟ -
(أصعب ما فى الأمر التظاهر بالقلق وانت بتركز على الهدوء لتخفيض ضربات القلب)
أجبت وأنا متظاهر بالقلق والجزع كممثل محترف يلعب دور بطولته فى أهم أحداثة المصيرية
فيه ايه يا دكتور طمنى هوه أنا عندى حاجة؟؟ -
أرجوك ماتخبيش.. قولى أنا هاعيش كام ساعة وأنا هواجه مصيرى بشجاعة
إركن على جنب لو سمحت.. هات الختامه وبصمه يا فرج -
رقص قلبى طرباً
إيروكاااااااااا
لقد فعلتها
(عاشت اليوجا الروسى نصيراً لمستشقى الصدر)
لم تدم فرحتى سوى ثوان معدودة.. فلقد أتى نفس الكائن النورانى (ذو الأعين الأميجو اللى بتنور أحمر).. وإمتدت قدمه الطاهرة بركلة تسير فى خط منحنى نهايته بطني بكل تأكيد
وكرد فعل عفوي وغير مقصود لفتى حاصل على المركز الأول في بطولة الجامعات للكاراتية 4 سنوات على التوالي.. إمتدت يداى لتصد الركلة المباركة بالقبضة المزدوجة "جى جى جيدانبراى".. واتخذت قدماى وضع القتال الشهير "كوكتسوا داتشى".. وشق حاجز الصمت صرخة "كي-يااااا" حماسية لا إرادية من لاعب الحزام الأسود
(لتكون بمثابة توقيع أسود عليه وعلى اللى جابوه)
***لا يا شيخ.. بقى عامل لى فيها "بروس لى" فى شبابه يابن القـ -
(دواعى رقابية)
قلب ايه اللى عندك يا روح أمك
(هيه ماكانتش "روح أمك" بالزبط.. بس دواعى رقابية)
وأمتدت يد الطبيب بالسماعة مرة أخرى على حين غرة.. ولا داعى أن أقول أن ضربات القلب تخطت ال172 بعد فوران الدم إللى لا تهديه يوجا ولا نوجا
لم يسمع الطبيب صوت صمام ارتجاعى.. بل حشرجة نمر مقهور
(تم ترشيحى فئة ممتازة (أ) بعد ما خلاص كانوا هايبصمونى)
لم يتبقى سوى كشف النظر.. صاحبنى ذو الأعين الأميجو اللى بتنور أحمر ودار بيننا الحوار التالى
نفسى أعرف انت هاتستفاد إيه لما أخش الجيش بسببك -
دا أنا مبسوط منك وعايزك معانا -
إن شاء الله بحركاتك دى مش هاخش عسكرى -
هاخش على طول على رتبة لواء وهاخرب بيتك بإذن واحد أحد
ضحك مقهقها رغم جملتى "هاخرب بيتك".. لم أكن أعتقد أنه متذوق جيد للدعابة..أما أخبرتكم أنه ملائكى الطباع؟
سرت لكشف النظر متجنباً مزيداً من اللماضات
سته على سته.. اللى بعده -
ما أن هممت بالخروج حتى وجدت صاحب الأعين الأميجو اللى بتنور احمر بإنتظارى
لم أكن أعرف ما سألاقيه بعد كشف النظر.. لكن ما أدركه تماماً أنه لو ظل هذا الكائن الملائكي الطباع بجواري فالمصير حتماً مظلم.. فخرجت من باب آخر لتجنبه وسط صيحات الجميع التى تنادى بالعودة وانا لا حياة لمن تنادى
..وهنا كانت المفاجأة
المشهد الثالث
(في الشارع)
(في الشارع)
لم أكن أتخيل فى أبشع كوابيسى أن هذا باب للخروج
وجدت نفسى (عارياً تقريباً) وسط السيارات
وكل هذا لم أكترث له ولم يكن يشغلنى فى هذه اللحظة.. فالمصيبة الكبرى أننى لم أشعر بتأثير مشتقات المغنيسيوم اللعينة فى عيناى إلا عندما واجهت ضوء الشمس.. فحاولت بصعوبة الأعمى أن اتحسس الجدار لأدور حول المبنى وأدخل مرة أخرى من الباب الأمامى
(أطلق لخيالك العنان فى تعليقات أمة لا اله إلا الله اللي شايفين واحد عريان بلبوص في عز الضهر وعايز يلف حوالين مبنى التجنيد ومش عارف يشوف حاجة، فمفيش غير إنه يحسس على الحيطة وهوه بلبوص في شارع زحمة)
بعد ما يقرب من نصف الساعة في هذا الموقف العار.. وصلت للبوابة محطماً الزمن القياسى فى الأولمبياد لإختراق الضاحية معوقين.. رفض العسكرى الأحول دخولى بدون بطاقة شخصية
أجيبها منين يا جدع خليك عاقل مانا بلبوص قدامك -
الهباب اللى حطيتوه فى عنيا بامشى لقيت نفسى فى الشارع الله ينتقم منكم
لم يوافق على دخولى قبل أن يتأكد من وجود البطاقة مع زميله العسكرى (الأحول) الثانى ووعده بدفع الجزية وأنا صاغر ومقدارها: حتة بعشرة جنيهات
(حار ونااااار)
ذهبت إلى باقى السرب فى الكفاح العارى يبحث كل منا عن ملابسه.. وكل فرد منا عابس الوجة يتحاشي النظر في وجة زميلة كما مجموعة من الفتيات مكروسة اعينهن جميعاً
..و
(أوبس.. لازم أعلن فراري فوراً لأني سامعها جاية
أشوفكم بعدين إن ربنا إداني العمر)